الاثنين، ١٢ شعبان ١٤٣٣ هـ

في انتظار الأكاديمية



يتذكر المغاربة التصريح الحكومي الذي التزم فيه السيد رئيس الحكومة بإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود وتمكينها من شروط الاشتغال المادية والقانونية تطبيقا للمرسوم الملكي ولمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وللنصوص التشريعية الواردة في هذا الإطار. وبعد أشهر من بداية عمل هذه الحكومة وتوالي الملفات المثارة من حقنا التساؤل عن موقع الأكاديمية من مسارات اشتغالها؟ وألم يئن الأوان لكي ترى المؤسسة النور ويغدو الحديث عن برامجها بدل الحديث عن وجودها؟ وأليس من حق المغاربة الذين أعطوا للحكومة شرعية وجودها أن يعرفوا أسباب التأخر في تنفيذ هذا المرسوم والبند المؤسس للحكومة؟
يعرف العالم العربي، هذه الأيام، حركية كبيرة تخص مأسسة الفعل اللغوي وانتقاله من الحديث الشعاراتي إلى التنزيل الإجرائي، وذلك لعدة أسباب : أولها تداعيات الربيع العربي وثورات الساحات التي أكد عمق روابط الانتماء وجوهريته في تحديد وجود الإنسان العربي، وثانيا الإحساس العام لدى أصحاب القرار السياسي ومدبري الشأن العام بالخطر الذي يتهدد وجود شعوبهم من جراء الغزو اللغوي الأجنبي ، وثالثا ما تتيحه العربية من خلال امتداها الجيو ستراتيجي للدول من إمكانات بسط النفوذ والتحدث باسم الأمة الشاسعة الأطراف.
وهكذا شرعت دول عربية عدة في إخراج مؤسسات تهتم باللغة العربية بحثا ودراسة، وتوجيهها نحو العمق العربي بغية جمع ما انفرط عقده في جهات عدة. فمنذ مدة وبعد مطالبات أكاديمية ومدنية أنشأت المملكة السعودية مركزا لخدمة اللغة العربية يجمع في تسميته بين رمزية ملك البلاد والبعد الدولي المراد إعطاؤه له. ولم يمر بين المصادقة القانونية على المشروع ووضع هيكلته إلا مدة قصيرة شرع بعدها أعضاؤه الذين ينتمون إلى دول عربية عدة في إقامة حلقات نقاشية بالعديد من الدول بل وزيارة دول عدة للاطلاع على تجاربها التعليمية وواقع العربية فيها. مما أتاح للمركز تقديم نفسه ، في عدة مناسبات مثل زيارته الأخيرة للصين، ممثلا عن العربية وباحثا عن حل معضلاتها، ليس في السعودية فحسب بل في دول العالم بأسره. كما شرعت الحكومة السعودية في تنزيل القرارات المتعلقة بحماية اللغة العربية وتعريب فضاءات الشأن العام والإدارات المختلفة.
قد يكفينا هذا المثال، إلى جانب نماذج أخرى تسطع بها القاهرة والدوحة وأبو ظبي، لنسائل أصحاب القرار عن التلكؤ في النهوض بالعربية، حيث تبدو الأكاديمية هي أقرب إلى الحلم. فبعد مسار قانوني طويل وصل إلى إصدار المرسوم الملكي بإنشائها، وبعد مناقشات عديدة داخل البرلمان وخارجه، مازال الإجراء يراوح مكانه. فصحيح أن تصريحات أعضاء الحكومة ومواقفهم لا تفتأ تذكرنا بعمقهم الاجتماعي وانتمائهم الهوياتي مثل التصريح الأخير للحسن الداودي وزير التعليم العالي، حين أكد قوة العربية عالميا وضرورة استعمالها لغة للتدريس في المغرب، لكن التأخر في تنزيل مقتضيات الدستور والتصريح الحكومي وباقي النصوص المقرة بإحداث الأكاديمية يدفعنا إلى التساؤل عن السبب الثاوي وراء ذلك. فمن المنطقي القول بأن إنشاء الأكاديمية لن يحل مشكلة العربية في المغرب مادامت العقبات وفوهات الهجوم المشرعة كثيرة ومتعددة، ومن الواضح أن هناك أياد كثيرة تتحرك في الخفاء لعرقلة التنزيل وأخرى لتغيير مسار الفكرة وتحريفه عن المقصد الأساسي تنزيلا لمشروع التلهيج، لكن الحاجة الآن غدت ملحة لتنزيل المؤسسة وتمكينها من آليات النجاح والاستعجال بها لعدة أسباب:
§       أولا وجود حكومة تجمع بين الشرعية الشعبية والتعبير الهوياتي مما يعطيها جرعات أكبر من الجرأة لتجاوز الحواجز الانتخابية التي كانت تؤرق الحكومات السابقة وتعطيها القدرة على فرض تصوراتها المعبرة عن الإرادة الشعبية ورساليتها الحضارية.
§       في إطار عقلنة وترشيد البحث العلمي الذي تحدث عنه السيد وزير التعليم العالي في أكثر من مناسبة ستكون الأكاديمية محضنا ينسق بين المؤسسات الجامعية المختلفة ومراكز البحوث المتعددة في مجال اللغة العربية حوسبة وتعليما وترجمة، ويجمع المشتت في جهات عدة.
§       من النتائج المباشرة لغياب الأكاديمية الحضور المحتشم للمغرب في ملتقيات المجامع اللغوية العربية التي وصلت في مسارها البحثي والإبداعي درجة متقدمة مازال المغرب مغيبا عنها. فصحيح أن هناك تمثيلية في اتحاد المجامع لكن الجهة التي تقوم به غير مختصة مما يحرمها من مؤهلات التمثيل الحقيقي لمجهودات المغاربة في الاصطلاح وقضايا اللغويات. ففي الوقت الذي وصل فيه المصريون على سبيل المثال إلى النقاش القانوني حول قرارات المجمع ودرجة إلزاميتها، مازلنا نعيش في وطننا زمن الحلم بوجود الأكاديمية.
§       لا يتوقف وجود مؤسسة مهتمة بالفعل اللغوي عند حدود الدراسة الأكاديمية واقتراح مشاريع تعليمية وترجمية بل للأمر عمق استراتيجي يتيح للدولة إثبات وجودها وحضورها الديبلوماسي. لذا فوجود مشاريع عديدة لتأهيل العربية لا يخرج عن هذه الغاية الاستراتيجية التي إن استوعبها سادة القرار عندنا  سيمكنون المغرب  من لعب دوره الحضاري. بل إن حاجة العديد من الشعوب والدول للعربية قد تفيد في تعميق قوة المملكة وقدرتها على التأثير في الأحداث. فاللغة مدخل استراتيجي للمنعة والقوة.
إن غياب مؤسسة الأكاديمية يضيع على المغرب فرصا عديدة في إثبات وجوده الثقافي والسياسي، وعائدا استثماريا هاما في تأهيل بحثه العلمي وترشيده، والأهم أنه يغيب هويته الحضارية من التداول. أو لم يئن الأوان بعد؟


ليست هناك تعليقات: