الاثنين، ١٢ شعبان ١٤٣٣ هـ

الخيار الوحيد: الاستبداد أو القطب الهوياتي



من الصعب أن توضع بين خيارين لا ثالث لهما، لكن هذا هو حال الإنسان العربي بعد ثورات ربيعه المعبرة عن جوهر الاختيار وأطرافه: إما الاستبداد وفلوله وإما القطب الهوياتي وامتداته.
منذ بداية ثورات الربيع العربي كنا نؤكد أن أهم تداعياته أمران أساسيان: أولا فرض الاختيار الجوهري بين الاستبداد والدمقرطة، والذي كانت الأنظمة الاستبدادية تخفيه وتغلفه بالأزمات الداخلية المتعاقبة موجهة الرأي العام نحو صراعات تحقق لها التوازن الاجتماعي وتحفظ لها كرسي إدارة الشأن العام، وثانيا التماثل بين تجارب الشعوب العربية التي وإن اختلفت في جزئيات التجربة فالوحدة الوجدانية وتشابه الأنظمة والتاريخ المشترك يجعل الصورة تتكرر حتى في تفاصيلها الجزئية من حيث وجهة الاختيار ونوعية كتائب الرفض وسبل المواجهة. لذا ليس غريبا أو مفاجئا أو مصادفة أن نجد التشابه حاضرا بين تجارب مصر والمغرب وتونس حتى في سبل عرقلة المشروع الهوياتي، وخير الأمثلة الأحكام القضائية التي تظهر هنا وهناك لثني المشروع وإبطاله باسم القانون، والحركات الاحتجاجية المستعملة لنفس الأسلوب، والحملات الإعلامية الرامية لتشويه صورة القادة الجدد. إنها الوحدة في كل شيء حتى في الهجوم على الوحدة. 
في مصر، وبعد مخاض طويل وحملات إعلامية وسياسية منظمة وانقلابات متتالية اختار الناس القطب الهوياتي ممثلا في حركة الإخوان المسلمين ومن تحالف معها من الحركات الديمقراطية. وقد وضع المصريون وبقوة بين اختيارين: القطب الهوياتي الديمقراطي ممثلا في رئيس حزب الحرية والعدالة، وقطب الاستبداد ممثلا في وزير مبارك وممثل العسكر الذي حاول إعادة أمجاد صاحبه وفلوله. وبالرغم من الحملات المنظمة إعلاميا والتي اختارت عنوانا مشتركا لها هو التشكيك في الجماعة والحزب والتيار الإسلامي ككل، بالتركيز على عرض الأفلام ومسلسلات مثل الإرهابي والجماعة والبرامج الحوارية التي تحرض على الحركة الإسلامية، بل وصل الأمر بالبعض إلى تخصيص منبره للمواجهة المباشرة وتقديم مستقبل مصر حين وصول الإخوان على أنه عصر حروب الشوارع والتجزئة وتخويف الطوائف الدينية كما فعل توفيق عكاشه في "الفراعين"، هذا بعد أن كيلت سابقا التهم تلو الأخرى للحركة تخوينا لها وتصويرها على أنها مجرد حليف استراتيجي للاستبداد وستبدأ في فرض الدولة الدينية منتقين نماذج من إيران وأفغانستان والسعودية واسوأ ما فيها على حد تعبير فهمي هويدي...بالرغم من كل ذلك انتصر الإخوان وأعلنوا بداية زمن التطهير الديمقراطي.
إذا كانت الصورة واضحة في مصر ففي المغرب تبدو مصابة بنوع من الصدأ الذي يحاول إخفاء حقيقة المواجهة. فمنذ بداية الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ومن تحالف معها وطبول الحرب تدق معلنة التكتل من أجل إفشال المشروع. ومنذ بداية التجربة ونحن نقول أن بيانات الجبهة "الحداثية" ليست كلاما عرضيا بل هو تأسيس لفريق المواجهة. فمن يصدق أن خرجات النقابات المحسوبة على العهد البائد يقصد منها الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة؟ ومن تصور أن المسيرات المتكررة وفي مدن مختلفة وبعناوين وأسماء عريضة تريد مواجهة جشع الحكومة وأرباب العمل فقد احتقر ذكاء المغاربة؟. ومن سيصدق أن السيد نوبير الأموي الذي استيقظ بعد سبات عميق وحاول العودة إلى أصوله الاتحادية حاملا معه ذكرى الجامعة الربيعية لسنة 1996 وبنفس الألفاظ التي وجهها لوزراء الحكومة المنتخبة بعد أن فشلت تجارب أصدقائه الحزبيين يرغب في الدفاع عن الطبقة العاملة؟ من سيصدق كل هذا؟ بل هي محاولة من التيار اليساري بكل مكوناته تجميع قواعده بغية مواجهة المشروع الوطني الذي تقوده الحركة الإسلامية والتي انتصرت بهامش ولو كان ضيقا من الحرية. لكن قدر هذا التيار بعدما خسر ديمقراطيا وأسقطته صناديق الاقتراع أن يغدو في حلف استراتيجي وداخل دائرة واحدة مع أحزاب السلطة التي أرادت قمع المشروع الوطني و"تونسة" المجتمع المغربي. قدرها أن تكون في نفس الخندق المواجه للمشروع الديمقراطي مع أعداء المدنية والدمقرطة، وعرقلة الخيار الشعبي والوطني بغية إعادة عقارب الزمن المغربي إلى الوراء حيث باسم الحداثة المفروضة يوجه المغاربة كالخرفان نحو خيار مرفوض من قبلهم.
لقد انتصرت الديمقراطية واختار الشعب من يملكه تدبير الشأن العام. والبادي للعيان أن الاختيار لم يكن متعددا ولا خاصا بل كان حتميا وسيظل أزليا بين أمرين: الديمقراطية أو الاستبداد، الهوياتية أوالفلول، المستقبل الجامع لقيم الوحدة والانتماء أو ماضي القمع والسلطوية وفرض النماذج المستوردة. فهل يتعظون؟

ليست هناك تعليقات: